:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، مايو 14، 2025

رمزية الماء


لعبت الأنهار عبر التاريخ دورا مهمّا في تشكيل ثقافات العالم وكانت مصدرا للحياة والعيش على الأرض. والعديد من الحضارات القديمة، مثل مصر وبلاد ما بين النهرين، استقرّت على ضفاف الأنهار مثل النيل ودجلة والفرات، مستغلّةً قوّتها ومواردها.
وفي الكثير من الثقافات، يُعتقد أن الأنهار مقدّسة وتسكنها آلهة أو أرواح قويّة. وغالبا ما ترتبط بالخلق والخصوبة والتطهير. على سبيل المثال، في الأساطير الهندوسية، يُعتبر نهر الغانج إلها يحظى بالتبجيل لخصائصه المطهّرة.
كلمة نهر، أو "river" بالإنغليزية، مشتقّة من rivus"" اليونانية التي تعني الانقسام او الانفصال. والمعنى لا ينصرف للجيولوجيا فقط، بل يمتدّ لعالم الاساطير والرموز. فإذا كان النهر يقسم الأرض حرفيّا ويخلق حُفَرا وأخاديد وودياناً، فإنه أيضا يفصل العالم الذي نعيش فيه عن عالم الأموات. وبناءً عليه، فالنهر لا يهب الحياة فقط، بل يذكّرنا أيضا بدورة الطبيعة وبالتغيير الذي يؤدّي إلى الموت.
وفي كلّ أدبيّات الأديان تقريبا، هناك دائما عنصر "نهر"، في عالم ما بعد الحياة. في البوذية الصينية مثلا، عندما يغادر الإنسان هذه الحياة، يدخل بوّابة تُدعى بوّابة الأشباح، ومنها الى طريق يُسمّى الينابيع الصفراء. وفي نهاية هذا الطريق، يوجد نهر يعلوه جسر. وعلى الجسر تقف امرأة تُمسك بإناء يحتوي على حساء يُقدّم لكلّ شخص يمرّ من هناك. وكلّ من يشرب من هذا الحساء ينسى كلّ شخص رآه وكلّ مكان عرفه وكلّ حادث وقع له في حياته السابقة، ومن ثم يستعدّ للتناسخ.
فإن كان الشخص الميّت كثير الذنوب في حياته الماضية، فإن الأرواح الشرّيرة والكلاب والأفاعي تطارده الى أن يسقط في ماء النهر الممزوج بلون ورائحة الدم. وكلّ من ينتهي الى هذا المصير فإنه يُحرم من التناسخ. أي أنه يمكن القول إن العقاب في عالم ما بعد الموت في البوذية هو بالحرمان وليس بالعذاب.
قد تكون إحدى أهمّ الطرق التي هيمنت بها الأنهار على عقولنا هي سرد القصص. في العديد من القصص، لا يُعتبر النهر مكانا ماديّا أو جغرافيّا فحسب، بل هو رمز أكبر بكثير لشيء آخر. والنهر في ذاته طريق مناسب تماما ليكون مثالا قويّا للرحلة التي يجب على البطل القيام بها. ولا يمكن للنهر أن يرمز فقط إلى المسار الذي يجب على المرء أن يسلكه، بل يمكن أيضا أن يكون وسيلة للنزول إلى شيء ما أو الخروج منه.
في الأدب، تُصوَّر الأنهار على أنها استعارات لرحلة الحياة، حيث تمثّل تياراتها الطبيعة المتغيّرة باستمرار للتجارب الإنسانية. كما استُخدمت لاستكشاف مواضيع النموّ والتحوّل والبحث عن المعنى وصُوّرت على أنها بوّابات إلى عوالم أخرى وحدود بين الفاني والإلهي وكمصادر للقوى الخارقة للطبيعة.
في رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد، يبحث البطل عن تاجر عاج مراوغ في أعماق نهر أفريقي. ويتعمّق في ظلام الغابة الذي يظهر أكثر فأكثر أسفل النهر. وهو لا يروي الرحلة الداخلية للبطل فحسب، بل يسلّط الضوء على الرحلة من الحضارة إلى القسوة والبدائية.
والرحلة على طول أيّ نهر لا بدّ أن تكون مثيرة للاهتمام دائما. ومثل الطريق الذي يؤدّي إلى عالم جديد، يمكن أن يرمز النهر إلى التغيّرات في القيم والشخصيات والأخلاق. وغالبا ما تمتلك الأنهار صفات هادئة توفّر إحساسا بالسكون والتأمّل. وقد يستخدم الأدباء والفنّانون الأنهار لإثارة مزاج تأمّلي وخلق مساحة للسلام والعزاء.
كما يمكن أن تكون الأنهار بمثابة حدود مادّية أو مجازية تفصل بين مناطق أو عوالم مختلفة. ويمكن أن تمثّل الانقسام بين المعلوم والمجهول والمألوف وغير المألوف وبين الوعي واللاوعي. وقد أصبحت رموزا وأيقونات ثقافية في مختلف المجتمعات حول العالم. فهي لا تمثّل الوجود المادّي للمياه المتدفّقة فحسب، بل تمثّل أيضا قيم وهويّة المجتمع. مثلا، غالبا ما يرتبط نهر المسيسيبي بالتاريخ والثقافة الأمريكية، ويرمز إلى روح الاستكشاف والمغامرة والحرّية.
وكان للأنهار تأثير كبير على عالم الموسيقى والسينما. واستُلهم عدد لا يُحصى من الأغاني والمقطوعات من جمال الأنهار وقوّتها. كما ظهرت الأنهار في الأفلام، لخلق إحساس بالجوّ والعمق ولعبت دورا حاسما في تشكيل التجربة السينمائية وإضافة طبقات من المعاني إلى السرد البصري.


وعبر الثقافات والحضارات المختلفة، كان يُنظر الى الماء كرمز للخصوبة والتجديد والولادة والترابط بين جميع الكائنات الحيّة. كما يُعدّ الماء رمزا قويّا للتحوّل واستعارة لرحلة اكتشاف الذات والنموّ الشخصي. وكثيرا ما استُخدم كرمز للسموّ والتنوير الروحي.
وأحد أشهر الأمثلة الأدبية على الماء كرمز للتحوّل نجده في رواية هيرمان هيسّه "سيدهارتا". في هذه الرواية، يُعتبر النهر بمثابة استعارة لرحلة اكتشاف الذات والاستنارة، حيث يجد بطلها السلام والحكمة من خلال مواجهاته مع المياه المتدفّقة.
وفي مسرحية "العاصفة" لشكسبير، تصبح بِركة الجزيرة السحرية موقعا للتجديد الروحي والولادة الجديدة للشخصيات، ما يتيح لهم فرصة التخلّص من خطاياهم الماضية والبدء من جديد. وفي الأدب الحديث استخدم مؤلّفون مثل إيزابيل الليندي الأجسام المائية كرموز للخلاص والتجديد، كما في روايتها "بيت الأرواح". وفي شعر المتصوّفة مثل جلال الدين الرومي وحافظ وسعدي الشيرازي وغيرهم، كثيرا ما يُستخدم الماء كاستعارة للإله ورمز للرحلة الروحية.
وفي أعمال الخيال والواقعية السحرية المعاصرة، غالبا ما يصوَّر الماء كبوّابة إلى عوالم وأبعاد أخرى ورمز للحدود بين العالم الدنيوي وعالم الغيبيات. في بعض الروايات، مثل "سيّد الخواتم"، تعمل البحيرات والمحيطات كبوّابات إلى عوالم أخرى، ما يوفّر للشخصيات الفرصة لتجاوز حدود العالم المادّي والشروع في مهام ملحمية تتّصف بالبطولة والمغامرة.
سيولة الماء وقدرته على التكيّف تسمح له بعدد لا يُحصى من المعاني والتفسيرات وتشكيل الروايات وإثراء التجربة الإنسانية. وعندما نتعمّق أكثر في رمزية الماء في الأدب، فإننا لا نتعرّف فقط على أهميّته العميقة كمصدر للحياة والتحوّل والسموّ، ولكن أيضا قدرته على إثارة الشعور بالدهشة والرهبة والغموض.
في أعمال شكسبير وهمنغواي وغارسيا ماركيز، يعمل الماء كرمز قويّ يُضفي العمق والتعقيد على السرد. وسواءً كان الماء بِحَارا مضطربة كما في "العاصفة"، أو أنهارا هادئة كما في "وداعا للسلاح"، أو بحيرات غامضة كما في "مائة عام من العزلة"، فإنه يلعب دورا مركزيّا في تشكيل مصائر الشخصيات وتحديد مسار الأحداث.
ورمزية الماء والأنهار تمتدّ إلى ما هو أبعد من صفحات الأدب لتشمل أشكالا أخرى من التعبير الفنّي، بما في ذلك الرسم والموسيقى والأفلام. وعلى مرّ التاريخ، قام الرسّامون بتصوير المناظر الطبيعية الهادئة ومياه الأنهار المتدفّقة في أعمالهم الفنّية لنقل إحساس بالهدوء والرهبة.
والعديد من الرسّامين، مثل مونيه وكونستابل وتيرنر وغيرهم، استدعوا الجمال الأثيري للماء في مناظرهم البحرية والطبيعية المشهورة. في حين استحضر مؤلّفون موسيقيون، مثل كلود ديبوسي ويوهان شتراوس، سيولة وإيقاع الماء في مؤلّفاتهم السيمفونية. وفي الأفلام، غالباً ما يُستخدم الماء بشكل رمزي لإثارة مجموعة من المشاعر والحالات المزاجية، بدءاً من الهدوء الساكن لبحيرة إلى القوّة الساحقة لعاصفة هوجاء.
وهكذا فإن رمزية الماء في الأدب والفنون هي شهادة على القوّة الدائمة لسرد القصص والخيال البشري. ومن خلال صوره المثيرة للذكريات ورمزيّته العميقة، يدعونا الماء لنبدأ رحلة اكتشاف لأعماقه الخفيّة الكامنة تحت السطح والتفكير في ألغاز الوجود والتأمّل في الطبيعة الدورية للحياة والموت واحتضان قوّة التغيير والتحوّل.

Credits
wisdomlib.org
riversarelife.com

الاثنين، مايو 12، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • ذات مرّة طرح كاتب على قرّائه السؤال التالي: إذا سقطت شجرة في غابة لا يوجد بها بشر، فهل سيكون هناك أيّ صوت؟". ثم أجاب على السؤال بقوله: لا، لأن الصوت هو الإحساس الذي تثيره الأذن عندما يتمّ تحريك الهواء أو أيّ وسيط آخر".
    ثم أثار كاتب آخر الجانب الفنّي لهذا السؤال بينما أغفل الجانب الفلسفي عندما طرح السؤال بصيغة مختلفة قليلاً: إذا سقطت شجرة على جزيرة غير مأهولة، فهل سيكون هناك أيّ صوت؟" وأعطى إجابة أكثر تقنيةً بقوله: الصوت هو اهتزاز ينتقل إلى حواسّنا من خلال آليّة الأذن، ولا يتمّ التعرّف عليه كصوت إلا في مراكز أعصابنا. سيؤدّي سقوط الشجرة أو أيّ اضطراب آخر إلى إحداث اهتزاز في الهواء. وإذا لم تكن هناك آذان تسمع، فلن يكون هناك صوت".
    في إحدى جولات آينشتاين اليومية مع زميل له، توقّف فجأة والتفتَ إلى الزميل قائلا: هل تعتقد حقّا أن القمر موجود فقط إذا نظرت إليه؟". هل يمكن لشيء أن يوجد دون أن يُدرَك بالوعي؟ وهل الصوت لا يكون صوتا إلا إذا سمعه شخص ما؟!
    الموضوع الفلسفي الذي يطرحه السؤال يتعلّق بوجود الشجرة "والصوت الذي تنتجه" خارج الإدراك البشري. فإذا لم يكن هناك أحد حول الشجرة ليراها أو يسمعها أو يلمسها أو يشمّها، فكيف يمكن القول إنها موجودة؟! وماذا يعني أن نقول إنها موجودة عندما يكون هذا الوجود غير معروف؟ من وجهة نظر علمية، هي موجودة والبشر هم القادرون على إدراكها.
    الصوت يمكن تعريفه بأنه إدراكنا لاهتزازات الهواء. وبالتالي، لا وجود للصوت إذا لم نسمعه. وعندما تسقط شجرة، تتسبّب الحركة في اضطراب الهواء وإرسال موجات هوائية. هذه الظاهرة الفيزيائية، التي يمكن قياسها بأدوات أخرى غير آذاننا، موجودة بغضّ النظر عن إدراك الإنسان لها بالرؤية أو السماع. وإذا جمعنا هذه الخطوط الفكرية معا، يمكننا القول أنه على الرغم من أن الشجرة الساقطة ترسل موجات هوائية، لكنها لا تنتج صوتا إذا لم يكن هناك إنسان على مسافة، بحيث تكون موجات الهواء قويّة بما يكفي ليتمكّن ذلك الإنسان من إدراكها. ومع ذلك، إذا عرّفنا الصوت بأنه الموجات نفسها، فسيوجد صوت.
    هل يمكننا أن نفترض أن العالم غير الملاحَظ يعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها العالم الملاحَظ؟ إذا توقّف البشر عن الوجود، فإن الصوت سيستمرّ في الانتقال وستسقط الأجسام الثقيلة على الأرض بنفس الطريقة تماما، على الرغم من أنه من المفترض أنه لن يكون هناك من يعرف ذلك.
  • ❉ ❉ ❉

  • كان كمال الدين بهزاد (ق 15/16) يُلقّب بـ "رافائيل الشرق". ولا يَعرف التاريخ رسّام منمنمات آخر من العصور الوسطى ذاع صيته كاسم هذا الرسّام. وقد كتب عنه الفنّان الروسي كاندينسكي بعد أن رأى بعض صوره فقال: لا أصدّق أن هذا من صُنع يد إنسان"!
    لا يُعرف الكثير عن حياة بهزاد. وما نعرفه هو أنه وُلد في هيرات بأفغانستان وعرف اليُتم في سنّ مبكّرة. ثم تعلّم الرسم على يد الرسّام البارز ميراك الذي علّمه من الأساليب الفنّية ما يناسب أذواق الطبقة الراقية آنذاك.
    وعندما ظهرت موهبته أكثر، نال إعجاب كبير وزراء هيرات الشاعر المشهور مير علي شير نوائي. وبدأ يرسم دواوين الشعر المشهورة، ما لفتَ انتباه سلطان هيرات حسين بايقرا الذي اشترى هو ورعاة البلاط أعماله لتُعرض في القصر. وفيما بعد، أصبح بهزاد مديرا للمرسم الملكي للشاه إسماعيل الأوّل الصفوي في تبريز.
    وقد أصبح اسم هذا الرسّام مرادفا للبراعة الفنيّة الرفيعة التي أظهرها الفنّانون في عهد التيموريين، ولاحقا في عهد الصفويين فيما يُعرف اليوم بأفغانستان وإيران. ومن الأمثلة الرائعة على براعته طريقة تجسيده للعمارة وكيفية خلق المنظور.
    كما أن صوره تنقل إحساسا بالحالة المزاجية للشخصيات بطريقة أكثر دقّة وتعبيرا من المخطوطات الفارسية التقليدية. وتُظهِر لوحاته أيضا قدرته على جعل إيماءات الشخصية مليئة بالحيوية والحركة. ومع ذلك، فإن دقّة الرسم والتحكّم في التنفيذ رائعة أيضا، وهذه كانت سمة مميّزة للرسم في هيرات في القرن الخامس عشر.
    وتُعدّ الدقّة في النمط والخطّ والتصميم أهمّ إرث لبهزاد. لكن الأجيال اللاحقة انفصلت عنه ورسمت أشكالا جامدة وبلا حياة. وحاليّا، تزيّن أعماله المخطوطات المحفوظة في متاحف ومكتباتٍ عدّة حول العالم، بما في ذلك دول مثل المملكة المتحدة وسويسرا والولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران ومصر. ورغم أن العديد من المخطوطات والرسومات الفردية نُسبت له، إلا أن القليل منها فقط مُعتمَدة رسميّاً على أنها من أعماله.
  • ❉ ❉ ❉

  • عندما كان جوزيف ستالين (1879-1953) على فراش الموت، استدعى اثنين من المرشّحين لخلافته، لاختبار أيّهما أقدر من الآخر على حكم البلاد. ثم أمر بإحضار عصفورين صغيرين، وقدّم لكلّ مرشّح عصفورا.
    أمسك الأوّل بالطائر، لكنه كان خائفا جدّا من أن يتمكّن من التحرّر من قبضته والطيران بعيدا، لذا ضغط على العصفور بقوّة، وعندما فتح راحة يده، كان العصفور قد مات. وعندما رأى المرشّح الثاني الامتعاض على وجه ستالين، خاف من تكرار خطأ منافسه، فخفّف قبضته كثيراً حتى تَحرّر العصفور وطار بعيداً.
    نظر ستالين إلى الإثنين بازدراء، وأمر مساعديه أن يحضروا له عصفورا! ثم أمسك بالطائر من ساقيه، وببطء قام بنزع كلّ الريش من جسمه الصغير، ريشةً بعد أخرى. ثم فتح كفّه، فإذا بالطائر متكوّم هناك، يرتجف عاريا وبحال من العجز واليأس. نظر ستالين الى العصفور بشفقة مصطنعة ثم قال لمن حوله وهو يبتسم: كما ترون، إنه حتى ممتنّ للدفء الإنساني الذي وجده في يدي!".
  • ❉ ❉ ❉



    ❉ ❉ ❉

  • ربّما لم يوجد لاو تزو قطّ، وحتى لو وُجد فمن المؤكّد أنه لم يؤلّف كتاب الطاو "تاو تي تشينغ"، وهو الكتاب الذي يُنسب إليه عادةً. قد يكون لاو تزو شخصية خيالية، وحتى لو وُجد، فإن الكتاب الذي يحمل اسمه لا يحتوي إلا على القليل من كلماته الحقيقية، وربّما كُتب بعد حوالي ستمائة عام أو أكثر من حياته المفترضة.
    ومن بين جميع الشخصيات التي تدّعي الطاوية أنها جزء منها خلال فترة الازدهار الفكري الاستثنائية بين القرنين السادس والثالث قبل الميلاد، وحده تشوانغ تزو يبرز من بين الضباب كشخصية مميّزة، بل وإحدى أكثر الشخصيات إثارةً للاهتمام وفكاهةً ومتعةً في الفكر والفلسفة الصينية ككل. مارتن بالمر
  • قال ستيفن هوكينغ ذات مرّة بأن البشر لم يتبقَّ لهم سوى ألف عام على الأرض، وأننا إذا أردنا البقاء على قيد الحياة، فسوف نضطرّ إلى الانتقال إلى مكان آخر".
    وأنا آمل أن يحدث ذلك، ليس فقط للبشر، بل للحياة ككلّ. هل سنظلّ بشرا في تلك المرحلة؟ هذه مسألة انتخاب. فالمسار الطبيعي للأحداث وعلم الأحياء، إمّا أن ينقرض نوع ما أو ينقسم إلى أنواع عديدة ناجحة، فينتهي به الأمر إلى عشرة أنواع أو مئة. هذا هو جوهر التطوّر. لذا أعتقد أنه من المرجّح أن يحدث هذا للبشر أيضا. ولو كنت سأعيش على المرّيخ، لوددت أن أعيش فيه أوّلا لأتمكّن من التجوّل في مناخ شديد البرودة. فريمان دايسون
  • الألم والمعاناة أمران لا مفرّ منهما دائما للأذكياء وأصحاب القلوب الرحيمة. أعتقد أن العظماء حقّا لا بدّ أن يحزنوا كثيرا في حياتهم على هذه الأرض. دوستويفسكي
  • أمّة محارِبة كالألمان، بلا مدن ولا آداب ولا فنون ولا مال، وجدت تعويضا عن هذه الحالة الوحشية في التمتّع بالحرّية. لقد ضمن لهم فقرهم الحرّية، لأن رغباتنا وممتلكاتنا هي أقوى قيود الاستبداد. إدوارد غيبون
  • بعد قليل سأرحل عنكم. لا أدري إلى أين. من العدم أتينا وإلى العدم نذهب. ما الحياة سوى وميض فراشة في الليل، أنفاس جاموس في الشتاء، ظلّ صغير يركض على العشب ويختفي عند الغروب. الزعيم بلاك فوت
  • ❉ ❉ ❉

  • على سفح جبل، عاش أسد شرس القلب، وكان يُكثر من قتل الحيوانات البرّية. وساء الوضع كثيرا لدرجة أن الحيوانات عقدت اجتماعا فيما بينها وقدّمت اعتراضا مهذّبا للأسد ختمته بهذه الكلمات: لماذا يهلكنا جلالتكم هكذا؟! إن شئت فسنجهّز لك بأنفسنا كلّ يوم حيوانا لوجبة جلالتك." فقال الأسد: إن كان هذا الترتيب يُرضيكم، فليكن."
    ومنذ ذلك اليوم، خُصّص للأسد حيوان يفترسه يوميّا. وفي أحد الأيّام، جاء الدور على أرنب عجوز ليُجهّز للمائدة الملكية، ففكّر في مآل أمره وهو يسير الى عرين الأسد وقال في نفسه: ما دمتُ سأموت على أيّ حال فسأذهب إلى موتي على مهل."
    كان الجوع قد عضّ الأسد ونفذ صبره وهو ينتظر الأرنب. ولما رآه يقترب منه زأر بغضب وقال: كيف تجرؤ على التأخير في المجيء كلّ هذا الوقت؟" أجابه الأرنب: سيّدي، لستُ أنا المذنب. لقد أوقفني أسد آخر على الطريق ولم يتركني أمضي إلا بعد أن أقسمت له بأنني سأعود بعد أن أبلغ جلالتك."
    وهنا صاح الملك ذو القلب الشرس بغضب وقال: سنذهب أنا وأنت من فورنا لتريني أين يعيش ذلك الأسد الوقح." وسار الاثنان معا حتى وصلا إلى بئر عميقة، فتوقّف عندها الأرنب وقال للأسد: فليأتِ سيّدي الملك وينظر إليه." ولما اقترب الأسد، ورأى انعكاس صورته في ماء البئر، تملّكه الغضب وهاج وماج، ثم ألقى بنفسه في البئر. ولم يخرج منها أبدا.

  • Credits
    musee-orsay.fr/en
    physicsworld.com

    السبت، مايو 10، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • پابلو پيكاسو اسم مرادف للإبداع الفنّي. والناس يتذكّرونه بمساهماته الثورية في عالم الفن. وبعيدا عن أعماله الرائدة، هناك قصّة أسطورية تجسّد، ليس فقط براعته الإبداعية، بل أيضا فهمه للقيمة الحقيقية للخبرة الفنّية.
    ذات يوم، كان پيكاسو يرسم على منديل في مقهى في پاريس. وكان من عادته أن يرسم أيّ شيء كي يسلّي نفسه في مثل تلك اللحظات. وكانت هناك امرأة تجلس بالقرب منه وتنظر الى ما يفعله بترقّب بعد أن عرفته. وبعد لحظات قليلة، أنهى بيكاسو قهوته ثم طوى المنديل الذي كان يرسم عليه بينما كان يهمّ بمغادرة المكان.
    لكن المرأة استوقفته وقالت له: هل يمكنني الحصول على هذا المنديل الذي كنت ترسم عليه للتوّ؟ سأدفع لك ثمنه". وطلب پيكاسو من المرأة مليون فرنك مقابل المنديل المرسوم. غير أنها صُدمت من هذا المبلغ الباهظ لأنه لم يَلزمه أكثر من بضع دقائق من الرسم. وبدا لها أن قيمة تلك الصورة مبالغ فيها ولا تتناسب مع الوقت الذي استغرقته.
    لكن پيكاسو ردّ بعبارة أصبحت شهادة دائمة على رحلته الفنّية وعلى إتقانه، عندما قال للمرأة: يا عزيزتي! لقد استغرق الأمر منّي عمرا كاملا حتى أتمكّن من رسم هذا الاسكتش البسيط". ثم وضع المنديل في جيبه وغادر المقهى.
    وبتلك العبارة البسيطة والعميقة، جسّد بيكاسو جوهر تطوّره الفنّي. فهو لم يكن يطلب مجرّد مكافأة على الرسم على منديل، بل كان يطلب تقديرا لسنواته وممارسته ومنظوره ومسيرته الإبداعية وتجاربه وآلاف الإخفاقات الصغيرة ومثابرته التي مكّنته من امتلاك المهارة اللازمة لإبداع تلك التحفة الفنّية الصغيرة في دقائق معدودة.
    طبعا لا يُعرف إن كانت هذه القصّة حقيقية أم لا. لكنها ليست بعيدة تماما عن الروايات التي قدّمها أولئك الذين عرفوا هذا الفنّان عن قرب. فقد كان شخصا استعراضيا وكوميديّا راقيا. وكان يستمتع بردود الفعل التي كان يثيرها حضوره في أيّ مكان. كما كان معروفا أيضا بتوزيع بعض رسوماته البسيطة على عمّال وعاملات المقاهي ممّن يستحقّونها.
    هذه القصّة توفّر أكثر من مجرّد حكاية ساحرة، فهي تقدّم درسا قيّما في إدراك القيمة الفنّية للعمل والفنّان. وردُّ پيكاسو يوضح أن الإتقان الحقيقي لا يكمن في الوقت اللازم لإبداع شيء ما أو الجهد المبذول لإنجازه، بل في محصّلة حياة كاملة من التعلّم والنموّ والخبرة والتجربة والشغف والسعي الدؤوب نحو التميّز والتجاوز.
    ولم يكن طلب پيكاسو لذلك المبلغ الكبير تعبيرا عن الغطرسة أو الجشع، بل كان بمثابة تذكير بأن الخبرة تُبنى على ساعات وأشهر وسنوات لا حصر لها من الممارسة والدراسة والتحسين المستمرّ لمهارات الفرد.
    ظلّ پيكاسو ينتج فنّا طوال حياته وعاش حتى التسعينات من عمره، واستمرّ في الإنتاج حتى أيّامه الأخيرة. ولو كان هدفه الشهرة أو جني ثروة طائلة في عالم الفن، لكان قد تجمّد في مرحلة ما من رحلته ولسيطرَ عليه القلق أو شكّ في نفسه. وسبب نجاحه الكبير هو نفس السبب الذي جعله يكتفي في شيخوخته برسم صور بسيطة على المناديل أثناء احتسائه القهوة بمفرده.
    إننا كثيرا ما نقلّل من قيمة ما نقدّمه لأننا نعتقد أنه أمر مألوف أو أنه بسيط أو سهل. لكن الحقيقة هي أننا اكتسبنا، على مدى زمن طويل، المهارات والمعرفة والخبرة اللازمة لجعله بسيطا أو سهلا. لذا تذكّر ألا تستهين بتجاربك ومعرفتك التي راكمتها على مرّ السنين وألا تقلّل أبدا من قيمة ما تفعله.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • في عالم اليوم، ينمو العشب باتجاه السماء وتطارد الزواحف الشمس أثناء النهار والقمر أثناء الليل. الريح نهر شفّاف والمطر نيزك بارد. وقلبي لا ينعم بالسلام أبدا. مشيتُ في آخر حقل لعبّاد الشمس كان على وشك أن يُهجر، متذكّرا الأساطير المؤلمة والرائعة المتعلّقة بأصل البشرية. ومع ذلك، قد لا يهتمّ هذا الكوكب بما إذا كان البشر سيبقون على قيد الحياة أم لا.
    تتوالى السحب في السماء مثل الأنهار، والهواء عند الغسق يكون مشرقا كسائل. حتى لو كنتُ هنا عشرة آلاف مرّة، فإن حواسّي لن تتعب على الإطلاق ولسوف يكون الشعور بالوحدة مثاليّا. الليل والنهار في البرّية مختلفان بالتأكيد. يجب أن يكون هناك فرق بين ضوء وظلام الحقل يقدَّر بسنوات ضوئية. الأرنب فقط هو الذي يستطيع التحرّك بحرّية بين الاثنين، ومسار الأرنب فقط هو الذي لا يُعيقه شيء.
    في أرض الشمال الشاسعة، من أواخر الصيف إلى أوائل الخريف، كلّ قرية غنيّة بما يكفي لمنافسة بلد. الذهبيّ والأزرق في حالة جمود على هذا الكوكب القديم. الأشخاص الذين يسيرون بين هذين اللونين يشعرون فجأة أنهم نظيفون تماما. الشعور بالأمان يأتي من الظلام. العالم الخارجي مشرق للغاية، حتى في الليل. كلّ شيء مكشوف دون أيّ غطاء أو عائق. قبل أن تشرق الشمس، يكون العالم كلّه مثل حلم، إلا أن القمر هو الحقيقي. وبعد شروق الشمس، يصبح العالم كلّه حقيقيّا، إلا أن القمر يكون مثل حلم.
    كانت والدتي تتفاخر في القرية بأنني أكتب. لكن أهل القرية لم يروا إلا أنني أطارد الطيور في أنحاء القرية بشعر أشعث ووجه متّسخ طوال اليوم، وقد أبدوا جميعهم تشكّكهم في كلام أمّي. وبينما كانت تتحدّث إليهم، استدارت ورأتني أعدو على طول الخندق وأصرخ وألوّح بعصا أثناء ركضي. كان الأمر غير لائق حقّا وشعرت بالحرج. وفي وقت لاحق، صدّق شخص قصّة الكتابة تلك.
    إن أعظم قوّة في الأرض ليست الزلزال، بل نموّ جميع الأشياء. على بعد 30 كيلومترا أسفل النهر، بُنيت قرية جديدة لرعاة الماشية. لا يوجد شيء اسمه بيت. فقط تَحفر حفرة في الأرض، تضع دعائم وتبني سقفا وتعيش تحته. هذه حياة بسيطة، ومريحة. لم يُجبر هؤلاء الناس على المجيء الى هنا، بل أتوا طواعيةً لأنهم يحبّون الحياة، محاطين بآلاف الجبال والأنهار وشغوفين بجمال هذه الأرض.
    خارج الباب، كانت هناك رمال صفراء ورياح وثلوج لا نهاية لها. ومهما كان الاتجاه الذي تسير فيه، فلن تتمكّن من الوصول إلى الطريق حتى بعد أسبوع. ثم يجب عليك أن تسحب حقيبة أكبر منك. وبالإضافة إلى ذلك، هناك ذئاب. لم يكن أمامي من خيار سوى ابتلاع خيبتي.
    السماء دائما مرتبطة بالأرض بشكل وثيق، زرقاء داكنة، رتيبة ولا تتغيّر. أشرقت الشمس على العشب فتوهّج بشكل استثنائي. كان أجمل العشب في ذلك الوقت هو نوع من العشب الأبيض النحيف يقف منتصباً في الشفق.
    مشيتُ لفترة طويلة جدّا، وكان المكان هادئا للغاية. وعندما استدرت، ظهر فجأة قطيع أغنام على بعد عشرات الأمتار خلفي، وهو يدفن رأسه في الأرض بصمت ويتغذّى على العشب الجافّ. في النهاية، هذه برّية رتيبة، فارغة، صامتة وصعبة. حتى أصغر الزخارف هنا لا يمكن إلا أن تبدو مكثّفة ورائعة. في فصل الشتاء، كنّا ندعو الأغنام الضعيفة والمريضة والعجول حديثة الولادة إلى مخابئنا للعيش معنا وقضاء ليال طويلة وباردة. وفي أحد الأيّام، سقط هاتفي المحمول من حقيبة الظهر المعلّقة على الحائط إلى الأرض وظلّ عِجل يمضغه بصمت طوال الليل.
    هل تشعر الأغنام؟ هل تفهم ما ينتظرها؟ هذه هي الحياة التي تكبر أمام من يُذبح. الشخص الذي ذبح شاة، التقطها بنفسه من مرعى ربيعي ووضعها في كيس تمّ إعداده منذ فترة طويلة، ثم ربطها بعناية في الجزء الخلفي من سيّارته وأخذها إلى المنزل. لطالما كان يأخذ هذه الغنم بدأب الى الجبال والسهول ليختصّها بالعشب الأكثر خصوبةً وعُصارة.
    وعندما كانت تضيع، كان يتحدّى المطر ويخرج ليبحث عنها مرارا وينظّفها ويعالج جروحها الملتهبة. وفي موسم البرد، كان يقودها إلى البرّية الجنوبية المفتوحة والدافئة. هل تتذكّر الأغنام هذا؟ أيّ قسوة تسكن قلبه إذ يقرّر الآن ذبحها؟ ربّما تكون هذه هي الطريقة التي تسير بها الحياة، كلّ شخص يسلك طريقه في النهاية، لذا كن فقط في سلام. قالت كاتبة كازاخية: أنت لا تموت بسبب خطاياك، ونحن لا نعيش لنموت جوعاً".
    في الأماكن التي لا يذهب إليها سوى عدد قليل من الناس، هناك دائما شعور بالوحدة والعزلة. في صحراء غوبي مثلا، يمكنك المشي لساعة دون أن تقابل إنساناً، بل يمكن أن تمشي لسنوات دون أن ترى شخصا واحدا، لا شيء في كلّ الاتجاهات. الوقوف على الأرض أشبه بالعودة إليها وحيداً بعد دهور. نعتقد أننا أذكياء وأقوياء بما يكفي لتحمّل كلّ الصعوبات في هذا العالم. لكننا لا نستطيع منع الحروب والانتهاكات والكوارث الطبيعية.
    ربّما يكون الرعاة الكازاخيون في المناطق البدوية في الشمال هم آخر الشعوب البدوية الأنقى في هذا العالم. هذا المكان النائي مليء بالصحاري الشاسعة وغير مأهول. ليس هناك صخب ولا مدن ولا بشر يأتون ويذهبون، وكلّ ما تراه هو أبسط حالات الحياة.
    عندما يهبط الليل، أشعر ببرودة الأرض تخرج من بين الشقوق وبالرياح تهبّ من شمال المحيط الهنديّ عبر آلاف الجبال والأنهار. ثم يغمرني أعظم صمت في العالم. وعندما تتفتّح زهور عبّاد الشمس وتتحوّل غابات البتولا وأكوام القشّ إلى اللون الذهبي، فإن هذا العالم يرعى بنفس الوقت ملايين الكائنات الحيّة بأشكال مختلفة ومتنوّعة. لذا من فضلك، حاول أن تحبّ العالم أنت أيضا! لي جوان

  • Credits
    museupicassobcn.cat/en
    worldhumanitiesreport.org